السبت، 3 مايو 2014



حدث هذا منذ مدة ليست بالطويلة، فبينما كنت جالسا بمقهى الشارع الشرقي صبيحة ذاك اليوم المشمس، و كالعادة قهوتي أمامي و دخان سيجارتي البيضاء يملأ المكان. لمحت من بعيد طفلا لا يتجاوز العاشرة من العمر، و معه كلبه الصغير يجريان في الضفة المقابلة من الطريق، كان الأمر عاديا إلتفت إلى الوجوه التي تقاسمني المكان، هي نفس الوجوه تتكرر يوميا، و لكنني أحب مطالعتها لأنها كل يوم تحمل شكلا خاصا. فهذا عمي إبراهيم الذي كان البارحة ساخطا على رجال البوليس لأنهم نزعوا منه رخصة السياقة و يلعن القوانين، ها هو اليوم يهمس لعمي الحسين بأن هناك قانون جديد للقضاء على الأبنية الفوضوية و ثغره باسم لأنه سيتحصل على منزل جديد، بدوره شوقي إتخد مكانا منعزلا بآخر المقهى و ها هو يتصفح جريدة النصر باحثا في الإعلانات عن وظيفة شاغرة تناسب دبلومه، و لكن كالعادة يبدو أنه لم يجد ضالته فقد قام بقلب الصفحة على الكلمات السهمية و المتقاطعة.
في هذه الأثناء مرت الحافلة الجامعية على الطريق العام الموازي للمقهى اشرأبت الأعناق كي تلمح الفتيات الجميلات، و لكن ما هي إلا لحظة حتى غابت عن الأنظار لتعود الأعناق إلى سيرتها الأولى. بقيت أقلب نظري هنا و هناك و أنظر إلى الطريق المقابل لعلني أنا أيضا أحظى برؤية سيقان فتاة جميلة قد تمر بأي لحظة، و بينما أنا كذلك لمحت موقفا رهيبا ففي وسط الطريق استقر ذاك الصبي و كلبه وكانت هناك سيارة قادمة نحوهما بسرعة رهيبة .. بقيت مذهولا أشاهد ما سيحدث، و لكنني رأيت أن السيارة تتجه للكلب مباشرة و ذاك الصبي عوض أن يتنحى شمالا رمى بنفسه يمينا لينقذ كلبه من الموت المحقق. و ما هي إلا لحظات حتى استفقت على ضوضاء و صراخ من بالمقهى، جريت كما جرى الناس نحو مكان الحادث و يا لهول ما رأيت، فقد وقع رأس الفتى على حافة الرصيف و غطت الدماء ملامح وجهه. بينما الناس راحوا يصرخون في وجه السائق و يطالبونه بوثائقه و هو مندهش و لا يدري ما يفعل أو ما يقول، في نفس الوقت بقيت أنا أبحث عن الكلب و أتساءل يا ترى ماذا أصابه ؟؟؟
و ما هي إلا دقائق معدودة حتى وصل رجال الشرطة و الحماية المدنية و رفعت جثة الفتى و أبعدت السيارة عن الطريق و عاد نظام السير كالعادة، عدت إلى المقهى و الحزن يعتصر قلبي على الفتى المسكين و طلبت قهوة أخرى و جلست بنفس المكان أعيد دوران الأحداث بمخيلتي ...و مضت أيام عديدة على تلك الحادثة و نسيت الأمر تدريجيا.. و اليوم على غير عادتي فلم أتمكن من النوم مطلقا .. تقلبت في فراشي عدة مرات و لكن بدون جدوى .. فقررت النهوض و لبست ملابسي و خرجت قاصدا المقهى و كعادتي جلست إلى الطاولة الأولى و رحت أر
اقب المكان ..كان الطريق خاليا تماما من المارة و من السيارات فالكل نيام ... و قليلا جدا ما تمر سيارة أو ألحظ طيف إنسان .. أخيرا جلب لي النادل قهوتي و سأتمكن من إحراق سيجارتي الأولى لي بهذا اليوم .. فجأة لمحت منظرا مؤثرا للغاية .. لا أدري ما انتابني حينها من مشاعرلقد رأيت ذلك الكلب و هو يمرغ جسده مكان الحادث و يضع أنفه على حافةالرصيف و يشم المكان الذي وقع رأس الفتى به .. و تبدو على ملامحه مظاهرالحزن و الكآبة .. لم أتمالك نفسي و أحسست بدمعة تخط على خدي طريقا لهاو لم أستفق إلا عندما أحسست بحرارة رهيبة تلفح أصبعي .. فرميت السيجارةالتي أصبحت رمادا .. و قلت في نفسي يا سبحان الله .. الآن فقط أدركت لما صفة الوفاء ترتبط بالكلب .. فعلا لا أوفى منه فما زال يذكر صاحبه و يزور مكان موته أطرقت قليلا .. ثم دعوت لذاك الصبي الذي ضحى بنفسه من أجل كلبه فنعم الوفاء و ما أروعها من صداقة.


---------------------
اذا اعجبتك القصة فيكمنك ان تدعمنا بمشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي فضلا و ليس أمرا.
  

مدونة هذا ما كان

نقاسمك دروب الحياة بأبسط طياتها، حتى تأخد من اليوم عبرة ... ليكون لك في الغد خبرة ... ,,,,,

0 التعليقات